التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لا للتدخين!!!


منذ أن رفع هذا الشعار وأعداد المدخنين في الزيادة وكأن هذا الشعار كان بغرض لفت الانتباه وليس بغرض التحذير. وبعيداً عن الإحصائيات والأرقام فالواقع الملموس يظهر بوضوح المأساة التي أضحت تلازم كل بيت تقريباً إلا ما رحم ربي.

وإن قلت إن دخان السيجارة يساهم في تلوث الهواء وهدم البيئة فأكون بذلك ظالما ومتجنياً عليه بالرغم من أنه يطلق على ذلك الدخان المتصاعد من السيجارة الاسم العلمي "دخان البيئة المتصاعد من التبغ" إلا أن تلك السيجارة الضعيفة المستكينة القابعة داخل بيتها الورقي تهدم هذا المخلوق الذي خلقت لأجله جميع الكائنات ... إنها تهدم الإنسان ذاته وتخلفه ورائها كومة من العظام التي لو كانت بالية لكانت أفضل حالاً من واقعها المرير.

وقد تعجب كثيراً عندما تعرف أن للمدخن وجهاً خاصاً ...!  نعم هذا ما توصل إليه دوجلاس موديل عام 1985 م عندما أطلق مصطلحاً جديداً أسماه "وجه المدخن" وقد أشار إلى العديد من الخصائص التي تتميز بها وجوه المدخنين منها ما يلحق ببشرته من خطوط وتجاعيد حول العينين والشفتين والوجنتين كما يكون جلد وجهه سميك وغليظ ويميل للون الأزرق لنقص الأكسجين به.

ودعني أسرد لك بعض المواد التي تدخل في صناعة السيجارة عسى أن تحثك الأسماء الثقيلة لهذه لمواد على إعادة النظر في علاقتك بالتدخين وهذه المواد هي الأمونيا والزرنيخ والبنزين والبيوتان وأول أكسيد الكربون والكادميوم والدي دي تي والرصاص والنفثالين ومستخلص نبات حشيشه الملاك وغيرها. كل هذه المكونات في مجملها مكونات سامة ويضاف إليها مواد أخرى على نفس الدرجة من السمية أو أكثر ويتم خلطها جميعاً ويصنع منها السيجارة. لذلك فلا عجب أن يكون الناتج ما يزيد على 4000 ماده سامة في دخان السيجارة لها مفعول قاتل هذه المركبات السامة تمتص مباشرة في الدم ومنها إلى خلايا الجسم المختلفة حيث تبدأ رحله المعاناة بعد ذلك من مختلف الأمراض بدءً من ضيق الأوعية الدموية وأمراض الرئة والقلب وقرحة المعدة وانتهاءً بالسرطان بأنواعه المختلفة.

ثم تبدأ رحله الإدمان، وطالما تكلمنا عن الإدمان فعلينا أن نشير إلى أن أحدث الأبحاث تؤكد أن إدمان التدخين لا يأخذ إلا بضعة أيام قليلة بل إن هناك بعض الأبحاث تؤكد أن سيجارة واحدة تكفي للوصول إلى الإدمان وليس كما كان معتقدا في الماضي من أنه يأخذ فترة طويلة للوصول إلى مرحلة الإدمان. ويعد النيكوتين هو المسئول عن مرحلة الإدمان في المقام الأول حيث إنه يتواجد في دخان السيجارة ويصل إلى مخ الإنسان في خلال 10 ثواني فقط من تنفسه حيث يبدأ دوره وعمله كمنشط لخلايا المخ وبذلك يعتاد الإنسان على تناول جرعة منه يومياً.

وليت الأمر ينتهي عند حدود المدخن لتركناه وشأنه فهو أدرى بنفسه حتى وإن لم يكن لكلامي هذا صدى عنده أو كان من الضعف بحيث لا يستطيع الإقلاع عن التدخين ما لفت ذلك الأنظار، لكن الضرر يتعداه إلى غيره من غير المدخنين وهذا ما يطلق عليه "التدخين السلبي" لغير المدخنين. لذلك أخي المدخن لست حراً فحريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

إن ما ينفثه المدخن من بقايا سيجارته في الهواء لا يقل خطورة في تأثيره الضار عن الدخان المتصاعد من السيجارة على غير المدخنين ويمتد تأثير حتى إلى الأجنة في بطون أمهاتهم ونقصد بالتدخين السلبي: استنشاق خليط من الدخان المتصاعد من السيجارة ودخان الزفير الناتج من المدخن. وقد دعا ذلك الوكالة الأمريكية لحماية البيئة إلى إصدار تقرير عام 1993 تشير فيه إلى أن دخان البيئة المتصاعد من التبغ مسبب رئيسي لسرطان الرئة عند غير المدخنين والملفت للنظر هنا هو الانتقادات التي وجهت لهذا التقرير من قبل القاضي الفيدرالي الأمريكي والذي أعلن عدم صحة ما جاء في التقرير، فهل يا ترى هذا القاضي يملك من العلم ما يؤهله أن ينتقد أو يحكم على تقرير قام به علماء متخصصون!؟ ... إن هناك أيادٍ خفية تقف وراء شركات التبغ لتحقق أرباحا طائلة تستخدم لإبادة شعوب أخرى! ..... وأظن الكلام واضحاً.

ومن الغريب ما طالعتنا به الأبحاث من تأثر كفاءة أجهزة الحاسبات الآلية من الأدخنة المتصاعدة من السيجارة والغريب ليس في تأثر كفاءة هذه الحاسبات ولكن الغريب أن سارع بنو آدم فشيدوا لها الغرف المكيفة والمجهزة للإقامة الدائمة بل الأغرب من ذلك أن منع التدخين في هذه الغرف وكأن لا للتدخين ليست لبني البشر.

وإن كنت تريد الحكم الشرعي في التدخين فسوف أقربه للأذهان دون أن أدلي به صراحة، وعليك أن تجيب عن هذه ألمجموعه من الأسئلة.

إذا أردت أن تدخن فهل تقول بسم الله كما تفعل عند بداية الطعام؟

إذا فرغت من التدخين فهل تقول الحمد لله كما تفعل عند الانتهاء من الطعام؟

هب أنك وجدت إنسانا يخرج كل يوم من جيبه بضعة جنيهات ثم يقوم بحرقها في الهواء فماذا يكون رد فعلك؟ هل تقول مجنون أو مختل أو شديد الثراء؟

وإن سلمنا أن هذا الإنسان شديد الثراء ولا يهتم بأمر المادة فماذا يكون رد فعلك إذا رأيت هذا الإنسان يقوم بحرق بضعة جنيهات يومياً ثم بعد ذلك يجلس بجانب خط أنابيب المجاري يستنشق رائحتها بكل زهو وفخر...؟

معذرةً يا ساده فهذا هو المدخن عن قرب وبحقيقته المجردة دون أن نضع نظارة السيجارة على عينيه وعذرا أخي المدخن فلا يمكنني أن أزين الكلام.

وأخيراً هل تريد أن تصاب بجميع الأمراض المعروفة وغير المعروفة وتعيش عليلاً طوال حياتك... إن طالت بك الحياة؟ هل تود أن ينفر منك الناس ومن رائحة فمك الكريهة؟ ... هل تريد أن يبدو فمك مظلما من سواد أسنانك عندما تضحك أو تفتح فمك؟ هل تريد أن تشعر بضيق كبير عند بذل أي مجهود وإن كان بسيطاً؟

إن كنت فعلا تريد ذلك فعلاً فهذه دعوة للتدخين.

 وحتى لا أضعك في الصحراء وألومك لأنك لا تعرف الطريق، فإليك طريق الإقلاع عن التدخين وكل ما عليك هو أن تمشي فيه حتى النهاية. والطريق هو:

العزيمة الصادقة التي لا يتميز بها إلا صفوة الرجال.


ا.د. وسام الدين إسماعيل
أستاذ الميكروبيولوجي - معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة - الجيزة - مصر

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشار أو الزعتر الإسباني

أنصح بزراعة هذا النبات في شُرفة كل بيت. إنه الشار نبات عشبي معمّر من العائلة الشفوية التي تضم أيضًا النعناع والزعتر والمريمية والريحان وهو نبات من أروع النباتات وأكثرها قيمة غذائية وطبية وهو من النباتات الطبية والعطرية السهل جداً زراعتها في شرفة المنزل والاستفادة منها مباشرة. اسمه العلمي Plectranthus amboinicus   وأوراقه بيضاوية سميكة وعصارية هشة ولها رائحة عطرية طيبة ينمو بسرعة ويتشعب كثيراً ويمتد في الأرض ويصلح أن يكون من النباتات المتدلية له تسميات كثيرة منها الزعتر الإسباني، الزعتر الفرنسي، النعناع المكسيكي، لسان الثور الهندي، الأورجانو الكوبي، زهرة الغمد العطرة وهو يختلف عن الزعتر البلدي المعروف وهو ينبت في الطبيعة في جنوب السعودية وفي اليمن ويسمونه الشار ويزرع بشكل واسع في بلاد الهند وفي جنوب شرق آسيا ويستخدم في الطهي في منطقة البحر الكاريبي والهند وماليزيا، كما ينمو في المناطق شبه المدارية أو المعتدلة الدافئة بما في ذلك نيبال وسريلانكا وبورما واجزاء من شرقي أفريقيا، ويزرع أيضا كنبات للزينة لرائحته الطيبة وحالياً يزرع بشكل واسع في إقليم جوجارات بالهند من أجل استع...

الرزق الجميل – هل هو المال؟

من منا لا يريد المال ويسعى جاهداً في طلبه؟ ولكن هل الرزق هو المال فقط أم هناك أرزاق أخرى؟ هل نمتلك أجمل الأرزاق التي تنفع النفس والأبناء في الدنيا والآخرة؟ خلقنا الله جميعا من نفس واحدة وقسم الرزق على عباده، فالله يكتب للإنسان رزقه وهو في بطن أمه ومنذ ذلك الوقت، اعلم انه لن يستطيع أحد أخذه أو سلبه منك. وعلى الرغم من وضوح النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة عن الرزق، إلا أن الأنسان دائما ما يشغله المال اعتقادا منه بأن رزقه ينحصر في شيء واحد فقط وهو المال، فالمال من الأرزاق التي أعطاها الله للإنسان ولكنه ليس كل شيء. ما هو الرزق الجميل؟ وقد لخص ابن الجوزي رحمه الله ذلك في قوله: فلا تجعلوا فهمكم للزرق يتوقف عند حدود المال والبنين، بل إن أجمل الأرزاق سكينة الروح ونور العقل وصفاء القلب وسلامة الفكر، وإن من أجمل الأرزاق دعوة أم، ورضا أب، وصحبة طيبة. الحقيقة إن قول رسول الله صلي الله عليه وسلم جمع هذه الكلمات وأكثر منها في قول بليغ "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". الغالبية منا يسعى لطلب المال، ...

تطوير العقول ... الزراعة كمثال!

كان من أهم إنجازات الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1882-1945م) هو استصدار قوانين جديدة لتحقيق الاستقرار في النشاط الزراعي في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك خلال ولايته الأولى كرئيس للبلاد والتي امتدت من 1933م حتى 1938م. القانون الأول حيث عَمِل القانون الأول على تخفيض فائض المحاصيل الزراعية، بمعنى ألا يُزرع محصول ما إلا بقدر يتناسب مع الاحتياج إليه؛ بهدف رفع سعر المنتج بحيث يباع بسعر عادل يحقق دخلا مناسباً للمزارع مع تقديم إعانات مالية للمزارعين تعويضاً لهم إذا تعرضوا للخسارة! وعلى الرغم من أن هذه الفكرة قد لاقت سخرية ومعارضة شديدة في البداية، إلا أن هذا القانون الذي تحول إلى برنامج قومي نُفذ بإرادة حديدية؛ تسبب في زيادة الدخل القومي من الزراعة، بل وتحسين أحوال المزارعين بشكل كبير وملموس، ومنع هجرة المزارعين لأراضيهم، بما ساهم بعد ذلك في حالة رخاء غذائي لعموم الشعب الأمريكي وإنقاذ النشاط الزراعي في البلاد بعدما كانت تعاني من العشوائية في الإنتاج الزراعي! القانون الثاني أما القانون الثاني، فعمل على تحقيق استقرار الدخل الزراعي، عن طريق دفع قروض للمزارعين لتخزين الفائ...