لم تكن كلمة الاستنساخ كلمة جديدة أو مهجورة ولكنها طفت على السطح عندما أعلن أيان ويلموت وزملاؤه في معهد روزلين باسكوتلاندا عن نجاح استنساخ نعجة من خلايا ضرع أنثى بالغة، وما لبثت أن تصدرت كلمة الاستنساخ الصفحات الأولى من الجرائد والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة، حتى أن عامة الناس تناقلوها عن خبرة ودراية. وما أن وصلت دوللي أشهر حيوان مستنسخ على الإطلاق حتى هاج العالم وماج وأراد الكل أن يدلي برأيه طمعا في أن ينال قطعة من الكعكة.
وعموما
فإن كلمة الاستنساخ تشير إلى نسخة وراثية مطابقة تماما لأحد الجزيئات أو خلية أو
نبات أو حيوان أو الإنسان ذاته. وفي حقيقة الأمر فإن الاستنساخ ليست بدعة حديثة
العهد ذلك أن وجود نسخة متطابقة وراثيا أمر شائع في علم البيولوجيا وقد مارسه
الإنسان دون أن يعلم منذ أن عرف الزراعة فقد كان يقوم بإكثار بعض النباتات
باستخدام جزء منها (كالعقلة أو الدرنة) وهذا أمر له أساسه العلمي بل إن الأمر أقدم
من ذلك عند غير النباتات فهذه الخلية البكتيرية يمكنها عن طريق الانقسام الثنائي
البسيط أن تعطي نسخه متطابقة لها تماما. إلا أن الفيروس يقوم باستنساخ نفسه بشكل
أكثر وضوح وتخصصية، ذلك انه يتحكم تمام التحكم في مقدرات فريسته
"الخلية" ويوجهها إلى إنتاج أفراد ونسخ طبق الأصل منه محولا إياها إلى
مصنع بيولوجي كل مهمته هي السمع والطاعة لذلك الآمر الناهي "الفيروس".
كما أن اللافقاريات البسيطة مثل بعض الديدان لها القدرة على أن تتطور إلى كائن
كامل من قطعه صغيرة منها.
أما
على مستوى الفقاريات فالأمر أكثر صعوبة وإن كان احتمال حدوثه واردا فقد يحدث على
مستوى عضو واحد كما في البرص حيث يمكنها إعادة تنمية ذيلها مرة أخرى بعد قطعة. كما
يحدث في الثدييات طبيعيا وفي أكمل صورة ولكن بشكل محدود وذلك في حالة ولادة أجنه
متعددة معا عندما يحدث انقسام للبويضة بعد تلقيحها فتعطي التوائم المتماثلة. وفي
مجال التكنولوجيا الحيوية لعب الاستنساخ الجينات دورا مهما في إنتاج العيد من
المواد ذات الأهمية العلاجية والتكنولوجية للإنسان ومن ذلك استنساخ جين إنتاج
هرمون الأنسولين البشري.
وبالرغم
من ذلك كله فإن الاستنساخ الطبيعي يحدث بشكل محدود وفي عالم يقوم على أساس التعدد
والتنوع، فلا نكاد نشعر به ولا بمخاطرة، ولكن تخيل معي أن الاستنساخ والكائنات
المتطابقة أصبحت هي الأساس وأن كل جنس يكون له شكل واحد ومتماثل. حينئذ يجب أن
يكون لنا وقفه وأن نلتفت إلى الوراء قليلا لنقارن الماضي بالحاضر والمستقبل.
ولعل هذه الوقفة توضح جليا أن الاستنساخ ضد
التمايز والتباين وعندما يسود العالم هذا النظام ويصبح الاستنساخ هو الأساس فإن
العالم سوف يعيد تكرار نفسه وبدلا من أن يتطور التطور الطبيعي للأجيال والعلوم سوف
يقف عند مرحلة التكرار. فلك أن تتخيل أن أينشتين عاد إلى الوجود وتم استنساخ عدة
نسائخ من أينشتين فمن المسلم به أن النهاية الحتمية للتطور في كل العلوم سوف تأتي
وبسبب أينشتين الذي كان سببا في تقدم البشرية. وذلك أنه لن يكون هناك فكر إلا
أينشتين وبالتالي لا جديد يمكن تقديمه للبشرية فعلى أحسن تقدير سوف يعود أينشتين
لاختراع نفس ما اخترعه أبان حياته العادية أو على أسوأ تقدير فإنه لن يتكيف مع
الحياة الجديدة بفكرها وتقدمها الحالي وفي الحالتين النتيجة واحده...لا جديد.
وهنا تُطرح
أسئلة محيرة:
لو
فرضنا أن مرضا ما أصاب أحد النسائخ والتي تتماثل تماثلا شديدا فيما بينها فإن وصول
هذه المرض إلى حالة الوبائية بين النسائخ أمرا في غاية السهولة وذلك لأن جميع
الأفراد لها نفس التراكيب الوراثية وبالتالي لها نفس الفرصة ونفس القابلية للإصابة
بالمرض وبنفس الدرجة. وتخيل معي أنه بعد موت أحد الأشخاص وتوزيع تركته على الورثة
فإن نسيخ هذا الشخص يطالب بأن يعيد كل فرد ما أخذه من التركة لأنه ببساطة عاد إلى
الحياة.
ثم
ماذا يحدث لو أن من امتلك تقنية الاستنساخ كان من أنصار هتلر والحزب النازي وبدلا
من استنساخ أينشتين كان هتلر هو بطل القصة. لا شك حينها أن الكرة الأرضية ستكون
بحاجة إلى استنساخها بعد أن تفنى عن آخرها. وحسبنا قول ربنا "وَإِذَا
أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا
فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" (الإسراء 16). ومن
غير شك أن الدول الغنية أو بالأحرى تلك الجماعات والعصابات الصهيونية منها على وجه
الخصوص سوف يمكنها استنساخ أفرادها على حساب الدول الفقيرة مما يظهر نوعا آخر من
التطهير العرقي.
ثم
في حالة ما إذا قام أحد النسائخ بارتكاب جريمة فهل يمكن تمييز المجرم عن غيرة؟ أم
ستختار أحد النسائخ بشكل عشوائي وتقيم عليه العقوبة على اعتبار أن جميعهم شخص
واحد؟ أم نعاقبهم جملة واحدة؟ وأين نحن من كلام ربنا "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر38).
ويجدر
الإشارة هنا إلى أن كلمة الاستنساخ لا تعطي المدلول العلمي الصحيح لما تم علي أرض
الواقع، ذلك أنه من الناحية العلمية فإن دللي النسيخة لا تشارك أمها
"توأمها" في عدة أشياء جوهرية كباقي التوائم المتماثلة الطبيعية التي
خلقها الله.
أولها:
أنه لم يتم أخذ جينات الميتوكونديريا من الأم لأن ما أخذ من الأم هي النواة فقط
والمعروف أن الميتوكوندريا ليست في النواة وبالتالي يختلف التعبير الجيني لهذه
المورثات طبقا لمصدرها.
ثانيا:
أنه لم يتم تنمية دللي في نفس الرحم الذي نمت فيه أمها وهذا له تأثير على التعبير
الجيني وهذا ينعكس بدوره على سلوك الفرد وتصرفاته في البيئة.
ثالثا:
أن دللي وأمها لم يشتركا في نفس الزمان والمكان التي نمت فيه كل منهما وهذا الفرق
من أهم الفروق بين النسائخ الطبيعية ودللي.
وهذه
الخلافات الثلاث جوهرية إلى الحد الذي ينفي وبشده أن يحث استنساخ صناعي بمفهومه
الشامل والواسع ولا يمكن بحال من الأحوال أن يطلق على دوللي انها كائن مستنسخ، فما
قام به هؤلاء العلماء ما هو إلا استمساخ وليس خلق أو حتى استنساخ.
وعليه
فهل يمكن إعادة استنساخ فرد عاش في فترة سابقة بحيث يكون هذا النسيخ هو نفسه الفرد
الذي كان يحيا منذ مائة عام مثلا، بالطبع إن الأمر يحتاج إلى تقييم، فالظروف
البيئية تلعب دورا في غاية الأهمية في تنشئة الأفراد والمجتمعات فلو فرض وتم
التوصل إلى نفس التركيب الوراثي للفرد فكيف لنا أن نوفر نفس الظروف البيئية التي
عاشها سلفه. كل ذلك مع العلم بأنه ليس من الواضح أن كان تكنيك الاستنساخ يقبل
التكرار مع نفس الكائن مرة أو مرات متعددة أم لا.
وحتى
إن استطاع هؤلاء أن يقوموا بتنمية بضعة خلايا آدمية على المستوي المعملي، وحتى إن
توصلوا إلى تركيب لإنسان كامل في المعمل وحتى وحتى !!! فهل يمكن لهم أن يبثوا فيه
نفس الروح التي كانت تحيا بين جنبات سلفه؟ أو حتى روح غيرها؟ هل يمكن لهم أن
يستنسخوا هذه الروح؟... بالطبع كلا وحسبنا قول ربنا "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ
قَلِيلاً" (الإسراء 85). فإن كان الاستنساخ بهذه الصورة مستحيل فكيف بمن يدعي
أن هذا خلق من عدم، أن أبلغ ما يرد به عليهم قول الحق "يَا أَيُّهَا النَّاسُ
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ
شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (الحج
73).
فإن
كان علماء البيئة يعتبرون الزراعة المنتظمة بشكلها الحالي شكلا من أشكال التلوث البيئي
لما تسببه من سيادة لأحد الأجناس النباتية على غيرها ويشيرون إلى ذلك بأنه مخالف
للأساس الذي بني عليه الكون من تعدد وتنوع، فلا شك إننا نتفق على أن الاستنساخ يعد
تلوث بيئي على المستوى البيولوجي بكل المقاييس والأعراف العلمية والخلقية
والبيئية! وخلاصة القول إن استنساخ الإنسان في قليلة مؤذ وفي كثيرة مدمر. لأنه من
الواضح أن ذلك مناف تماما لقوانين ونواميس الكون التي قام عليها والتي لا نكاد
نعلم عنها شيئا ولا الحكمة من خلقها، ولكن لله في خلقه شئون قدرها بعلمه كما أخبر
جل وعلا في قوله "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر49).
فعندما خلق الله الخلائق فإن الأساس فيها كان على التمايز والاختلاف بين هذه
الكائنات ففي داخل الجنس الواحد لا يوجد كائن متطابق وراثيا تمام التطابق مع آخر
إلا فيما ندر ولولا ذلك لفني الكون من قديم الأزل.
ا.د. وسام الدين
إسماعيل
أستاذ
الميكروبيولوجي - معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة - الجيزة - مصر
ا.د. وسام الدين
إسماعيل
أستاذ
الميكروبيولوجي - معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة - الجيزة - مصر
بارك الله فيك دكتور فالمقال شافي كافي وان كنت اود أن أضيف ان الاستنساخ وان فشل في اعتقادي على مستوى كائن كامل حيث ولدت النعجة دوللي بجسم صغير و لكنه بيولوجيا بعمر الام التي استنسخ منها الا انني اجد الاستنساخ بمفهومه قد يكون انطلاقة واعدة وبداية مفيدة على مستوى زراعة الأعضاء والأنسجة مما يمنح الأمل لعلاج بعض الأمراض العضوية التي عجز الطب عن علاجها سابقا فالمبدأ نفسه ليس خطأ ولكن إساءة استخدامه قد تكون كارثية
ردحذفكلامك سليم د يونس فتكاثر البكتيريا هو نوع من الاستنساخ وهو مفيد للبشر ولكن الحديث عنا عن استنساخ انسان كامل.
ردحذفسنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم
ردحذف